الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال الزجاج: وقوله: {يَلْقَ أثامًا} جزمًا على الجزاء.قال أبو عمرو الشيباني: يقال: قد لقيَ أثام ذلك، أي: جزاء ذلك، وسيبويه والخليل يذهبان إِلى أن معناه: يلقى جزاء الأثام، قال سيبويه: وإِنما جزم {يُضَاعَفْ له العذابُ} لأن مضاعفة العذاب لُقِيُّ الآثام، فلذلك جزمت، كما قال الشاعر: لأن الإِتيان هو الإِلمام، فجزم تُلْمِمْ لأنه بمعنى تأتي.وقرأ الحسن: {يُضَعَّفْ}، وهو جيِّد بالغ؛ تقول: ضاعفتُ الشيءَ وضَعَّفْتُه.وقرأ عاصم: {يُضَاعَفُ} بالرفع على تفسير {يَلْقَ أثامًا} كأنّ قائلًا قال: ما لُقيُّ الأثام؟ فقيل: يُضاعَف للآثم العذاب.وقرأ أبو المتوكل، وقتادة، وأبو حيوة: {يُضْعَف} برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف.وقرأ أبو حصين الأسدي، والعمري عن أبي جعفر مثله، إِلا أن العين مكسورة، و{العذابَ} بالنصب.قوله تعالى: {ويَخْلُدْ} وقرأ أبو حيوة، وقتادة، والأعمش: {ويُخْلَد} برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة.وقرأ عاصم الجحدري، وابن يعمر، وأبو المتوكل مثله، إِلا أنهم شدَّدوا اللام.فصل:ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان:أحدهما: أنها منسوخة، وفي ناسخها ثلاثة أقوال.أحدها: أنه قوله تعالى: {ومن يَقْتُلْ مؤمِنًا متعمِّدًا فجزاؤه جهنَّمُ} [النساء: 93]، قاله ابن عباس.وكان يقول: هذه مكية، والتي في النساء مدنية.والثاني: أنها نسخت بقوله: {إِن الله لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك} الآية [النساء: 48].والثالث: أن الأولى نُسخت بالثانية، وهي قوله: {إِلا من تاب}.والقول الثاني: أنها محكمة؛ والخلود إِنما كان لانضمام الشرك إِلى القتل والزنا.وفساد القول الأول ظاهر، لأن القتل لا يوجب تخليدًا عند الأكثرين؛ وقد بيَّنَّاه في سورة [النساء: 93]، والشِّرك لا يُغْفَر إِذا مات المشرك عليه، والاستثناء ليس بنسخ.قوله تعالى: {إِلا من تاب} قال ابن عباس: قرأنا على عهد رسول الله سنتين: {والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهًا آخر} ثم نزلت {إِلا من تاب} فما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها، وب {إِنّا فتحنا لكَ فتحًا مبينًا} [الفتح: 1].قوله تعالى: {فأولئك يُبَدِلُ الله سيِّئاتهم حسنات} اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه، فقال ابن عباس: يبدِّل الله شركهم إِيمانًا، وقتلهم إِمساكًا، وزناهم إِحصانًا؛ وهذا يدل: على أنه يكون في الدنيا، وممن ذهب إلى هذا المعنى سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.والثاني: أن هذا يكون في الآخرة، قاله سلمان رضي الله عنه، وسعيد بن المسيّب، وعليّ بن الحسين.وقال عمرو بن ميمون: يبدِّل الله سيئات المؤمن إِذا غفرها له حسنات، حتى إِن العبد يتمنَّى أن تكون سيئاته أكثر مما هي.وعن الحسن كالقولين.وروي عن الحسن أنه قال: وَدَّ قومٌ يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذُّنوب؛ فقيل: من هم؟ قال: هم الذين قال الله تعالى فيهم: {فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات}، ويؤكِّد هذا القولَ حديثُ أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صِغار ذنوبه، فتُعْرَض عليه صِغار ذنوبه وتنحّى عنه كبارها، فيقال: عملتَ يوم كذا، كذا وكذا، وهو مُقِرّ لا يُنْكِر، وهو مُشْفِق من الكبار، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة» أخرجه مسلم في صحيحه.قوله تعالى: {ومن تاب} ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة.قال ابن عباس: يعني: ممن لم يَقْتُل ولم يزن، {وعمل صالحًا} فانّي قد قدَّمتُهم وفضَّلتُهم على من قاتل نبيّي واستحلَّ محارمي.قوله تعالى: {فانه يتوب إِلى الله مَتابًا} قال ابن الأنباري: معناه: من أراد التوبة وقصد حقيقتها، فينبغي له أن يُريد اللّهَ بها ولا يخلط بها ما يُفسدها؛ وهذا كما يقول الرجل: من تجر فانه يتّجر في البزّ، ومن ناظر فانه يناظر في النحو، أي: من أراد ذلك، فينبغي أن يقصد هذا الفن؛ قال: ويجوز أن يكون معنى هذه الآية: ومن تاب وعمل صالحًا.فإن ثوابه وجزاءه يعظُمان له عند ربِّه، الذي أراد بتوبته، فلما كان قوله: {فإنه يتوب إِلى الله متابًا} يؤدِّي عن هذا المعنى، كفى منه، وهذا كما يقول الرجل للرجل: إِذا تكلَّمتَ فاعلم أنك تكلِّم الوزير، أي: تكلِّم من يَعرف كلامك ويجازيك، ومثله قوله تعالى: {إِن كان كَبُر عليكم مَقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلْتُ} [يونس: 71]، أي: فاني أتوكَّل على من ينصرني ولا يُسْلِمني.وقال قوم: معنى الآية: فانه يرجع إِلى الله مرجعًا يقبله منه. اهـ.
أي جزاء وعقوبة.وقال عبد الله بن عمرو وعكرمة ومجاهد: إن {أَثَامًا} وادٍ في جهنم جعله الله عقابًا للكفرة.قال الشاعر: وقال السدّي: جبل فيها.قال: وفي صحيح مسلم أيضًا عن ابن عباس: أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا؛ فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو يخبرنا بأن لما عملنا كفارة، فنزلت: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا}.ونزل: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] الآية.وقد قيل: إن هذه الآية، {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ} [الزمر: 53] نزلت في وحشِي قاتل حمزة؛ قاله سعيد بن جبير وابن عباس، وسيأتي في الزمر بيانه.قوله تعالى: {إِلاَّ بالحق} أي بما يحق أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان؛ على ما تقدم بيانه في الأنعام.{وَلاَ يَزْنُونَ} فيستحلون الفروج بغير نكاح ولا مِلك يمين.ودلّت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق ثم الزنى؛ ولهذا ثبت في حد الزنا القتل لمن كان محصنًا أو أقصى الجلد لمن كان غير محصن.قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العذاب} قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي {يُضَاعَفْ وَيَخْلُدْ} جزمًا. وقرأ ابن كثير: {يُضَعَّفْ} بشد العين وطرح الألف؛ وبالجزم في {يُضَعَّفْ وَيَخْلُد}. وقرأ طلحة بن سليمان {نُضَعِّفْ} بضم النون وكسر العين المشدّدة. {الْعَذَابَ} نصب {وَيَخْلُدْ} جزم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {يُضَاعَفُ} {وَيُخْلَدُ} بالرفع فيهما على العطف والاستئناف. وقرأ طلحة بن سليمان: {وَتَخْلُدْ} بالتاء على معنى مخاطبة الكافر.
|